المواضيع الأخيرة
مثال للتداول
من طرف salma3li الثلاثاء سبتمبر 10, 2024 4:05 am

نصائح هامة للاستثمار في البورصة العراقية
من طرف salma3li الأحد سبتمبر 08, 2024 11:45 pm

إنشاء محفظة تداول
من طرف salma3li الجمعة سبتمبر 06, 2024 3:17 am

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 7 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 7 زائر

لا أحد

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 111 بتاريخ الخميس يناير 02, 2020 11:11 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 213 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو عبدالرحيم فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 2937 مساهمة في هذا المنتدى في 1884 موضوع

لونك المفضل


الملتقى العلمي للطلاب الجزائريين :: الأرشيف الاجتماعي :: Old4you :: الأرشيف العام :: قسم الكتاب والسنة

كيف نقرأ القرآن ؟

Admin
حضور القلب
عند قراءة القرآن يجب أن يُفَرّغُ الإنسان قلبه عن كل التعلقات والعوارض ليتوجه إلى كلام الله وخطابه، ومع تشتت البال لا يستفيد الإنسان من التلاوة شيئاً كثيراً.
 
وأكثر ما يحتاج الإنسان إلى حضور القلب في ثلاثة مواضع: عند قراءة القرآن، وعند الصلاة، وعند الدعاء (فإن مسألة حضور القلب في قراءة القرآن وكذلك في الصلاة، وتجريد النفس حين قراءة القرآن وحين الصلاة عن كل الشواغل التي تتوزع نفس الإنسان من أهم المسائل الروحية التي تهمّ قرّاء القرآن والمصلين ... ذلك أن روح الصلاة والقراءة بحضور القلب وإنصراف النفس اليهما، فإذا تجردت الصلاة والقراءة من حضور القلب، فلا يبقى منهما إلاّ صورة فارغة عن المحتوى، وقشور من دون لباب)([sup][1])[/sup].
والقرآن خطاب الله النازل إلى عبده، والصلاة والدعاء خطاب العبد الصاعد إلى الله (فالذي يصح في الصلاة يصح في الدعاء، فإن الصلاة والدعاء في جوهرهما: خطابان صاعدان من العبد إلى الله تعالى، والذي يصح في (الصلاة) و (الدعاء) يصح في قراءة القرآن، فإن القرآن خطاب نازل من الله تعالى إلى عباده.
وهذه القراءات الثلاث تشترك في أصل الخطاب، ويتميز (القرآن) عن الدعاء والصلاة أنّه خطاب نازل من عند الله الى عباده، دون الصلاة والدعاء، فانهما خطابان صاعدان الى الله تعالى من عباده فإذا استشعر الإنسان عنصر الخطاب في (الصلاة) و (الدعاء)، سواء كان الخطاب إلى الله أو من الله تعالى، فإن عنصر الخطاب يشده إلى الصلاة والدعاء والقرآن)([sup][2])[/sup].
وفي هذا الخطاب الصاعد والنازل يجب أن يُجرّد الإنسان نفسه من كل الشواغل ، حتى ينصرف بكل عقله وقلبه إلى خطاب الله. وسبيل ذلك أن يعي الإنسان هذه الحقيقة، وهي أن القرآن كتاب الله النازل إلينا (فإذا وعى الإنسان هذه الحقيقة فلا يمكن أن يقبل بقلبه على شيء آخر غير كلام الله، ولا يمكن أن ينصرف بنفسه عن هتاف الله وندائه، ولا يمكن أن يشغله عن ذلك شيء، ومهما قلّ وعيه وإدراكه لهذه الحقيقة ازداد تشتت باله عن القرآن.
وقد سُئل احد الصالحين: اذا قرأت القرآن تحدث نفسك بشيء؟ فقال: أو شيء أحب اليّ من القرآن أحدث به نفسي؟ وكان بعضهم إذا قرأ السورة ليس فيها نفسه أعادها([sup][3])[/sup].
ومسألة تجريد النفس من أهمّ المسائل التي ينبغي أن يهتم بها الإنسان، لأن تشتت البال يشغل الإنسان ويحجبه ويصرفه ويحرمه من أهم كنزين في حياة الإنسان، وهما: الخطاب الصاعد إلى الله والخطاب النازل من عند الله، وفي هذين الخطابين حياة قلب الإنسان ونوره، فإذا حرمهما الإنسان خسر كل شيء في حياته.
- التدبُّر والتفهم
التدبر شيء آخر غير حضور القلب، إن حضور القلب تفريغ القلب لكلام الله والانصراف إلى كلام الله عن كل الشواغل والصوارف، أما التدبّر فهو استخدام العقل، وتوظيف العقل لفهم كلام الله، وربط بعضه ببعض (وهي حالة في القراءة تقابل المرور السريع العابر بآيات كتاب الله، ويستخدم فيها الإنسان كل قدراته العقلية لاكتشاف الأعماق غير المرئية لآيات الله، والقيام بانطباع قوي عن القرآن.
وهاتان المهمتان (اكتشاف الأعماق غير المرئية للقرآن، وانطباع مفاهيم القرآن في النفس) تتطلبان الإمعان في النظر في القرآن والتأمّل والتدبّر فإن آيات القرآن ... خزائن المعرفة، وكلما أمعن الإنسان النظر في القرآن وتدبره وتأمله وصل إلى أعماق أبعد للقرآن، واكتشف آفاقاً جديدة لم يكتشفها من قبل، واستطاع أن يقوم بانطباع أقوى من القرآن)([sup][4])[/sup].
وقد أمرنا الله تعالى بالتدبر في كتابه حيث يقول تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً) ([sup][5])[/sup].
وقد أراد الله تعالى بنا أن نعقل الكتاب فيقول تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)  ([sup][6])[/sup].
وبالتدبر يفهم الإنسان الغايات والمنطلقات لكلام الله وخطابه، والمرور السريع والانطباع الأول لا ينقل إلى الإنسان كل المفاهيم والأفكار، والدقائق والرقائق التي تحملها الآية، كما لا تطبع الآية نفس القارئ.
وهذان الأمران يحتاجان إلى إمعان نظر وتدبر وتأمل.
وقد روي عن رسول الله (ص) : (إن أردتم عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن)([sup][7])[/sup].
وعيش الشهداء وموت الشهداء ليس من قبيل الجزاء لدرس القرآن، وإنما هو من قبيل النتيجة والأثر لدرس القرآن.
وعن أمير المؤمنين علي (ع): (ألا لا خير في قراءة لا تدبّر فيها)([sup][8])[/sup].
فإن الخير الذي يرزق الله عباده بالقرآن هو في التدبّر والتأمّل في آيات القرآن.
وعن الإمام الصادق (ع): (إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى، فَلْيَجِلْ جالٍ بصره، ويفتح للضياء نظره، فإن التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور)([sup][9])[/sup].
وعن امير المؤمنين علي (ع): (ألا أن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه)([sup][10])[/sup].
- التعمق في القرآن
روي عن الامام علي بن الحسين السجاد زين العابدين (ع) أنه كان يقول: «آيات القرآن خزائن، فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر فيها» ([sup][11])[/sup].
والخزانة يقال للمخزون المخبوء عن الانظار، وآيات القرآن خزائن من العلم والمعرفة، وهذه الخزائن مستورة عن عيون الناس، وليست معروضة، ولا ينالها الإنسان إلاّ كما ينال الخزائن المخزونة، من المال والبضاعة، بعد تعب وجهد، فكلما قرأت آية من كتاب الله وتأملت فيها فتح الله تعالى عليك خزانة من هذه الخزائن.
وهذه الخزائن بطبيعة الحال هي العمق الفكري والعلمي لكل آية من كتاب الله، ولا ينال عامة الناس بالنظرة البدائية، الأولى العابرة إلى كتاب الله هذا العمق الفكري لآيات القرآن، ولا تكاد الرؤية البدائية إلى القرآن تتجاوز السطح
الظاهر منه.
سطح القرآن وعمقه
للقرآن – اذن – سطح وعمق، ظاهر يفهمه عامة الناس ، وهو مقصود في كتاب الله، وعمق تحت هذا الظاهر، لا يناله إلاّ الذين آتاهم الله تعالى نظرة نافذة، وبصيرة بكتابه، وإلى ذلك تشير الرواية النبوية المعروفة (إن للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن)([sup][12])[/sup].
وما نقصده من عمق القرآن شيء آخر غير ما تقول المذاهب الباطنية التي تنفي ظاهر القرآن، فهذه المذاهب تنفي أن يكون القرآن ظاهراً مقصوداً، ولا شك أن للقرآن ظاهراً، وهذا الظاهر مقصود ومطلوب، والعمق الذي تحت هذا الظاهر يندرج فيه ويتضمنه، وليس بخارج عنه وإنما هو في إمتداده ، لا يقاطعه ولا يخالفه، بل يكمّله، كما أن ما يتلقاه الإنسان في الدراسات العليا في (المثلثات) لا ينافي ولا يختلف عما تلقاه عن (المثلث) في الدراسة الابتدائية، بل تعميق له وتكميل، وقد روي عن أمير المؤمنين  (ع) في عمق وسعة أفق آيات القرآن والكنوز التي أودعها الله تعالى في كتابه لأهله: «لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من فاتحة الكتاب» ويقول (ع) في صفة القرآن، وصفة ظاهره وباطنه «وله ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم، ظاهره انيق وباطنه عميق» ([sup][13])[/sup].
ومن عجب أن هذا الظاهر والباطن متناسقان فلا ينفي الظاهر العمق، ولا ينفي العمق الظاهر، وتحتفظ الآية من القرآن في الوقت الواحد بجمال الظاهر وعمق الباطن ... وهو من أعجب وجوه الإعجاز في القرآن الكريم([sup][14])[/sup].
- استنطاق القرآن
يقول أمير المؤمنين علي (ع): «ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق ولكن اخبركم عنه، ألا أنّ فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم» ([sup][15])[/sup].
القرآن ينطق لمن يعرف كيف يستنطق القرآن، ينطق بما في حياتنا من الفتن وعلاجها، وينطق بأدواء دائنا.
وفي  خطبة المتقين يقول أمير المؤمنين علي (ع): (يستثيرون به دواء دائهم) اي يستخرجون من القرآن دواء دائهم، إلاّ إننا لا نحسن أن نستنطق القرآن، ولا نعرف كيف نستنطقه، ولو كنا نستنطقه لما بقي بيننا وبين معاني القرآن من حجاب، ولانفتح علينا القرآن وأعطانا ما أودع الله تعالى فيه من كنوز المعاني والمفاهيم، والإمام علي (ع) يعطينا مفتاح ذلك لو أننا استعملناه لنطق القرآن بما فيه، ولما التبس علينا مما فيه شيء، يقول علي (ع): «ينطق بعضه ببعض» ... وأما من كان يستنطق بعض القرآن  ببعض، ويهتدي ببعضه إلى بعض، ويضم دلالات آيات الله إلى بعض، فإن القرآن يفتح له صدره، ويكشف له عما أودع الله تعالى فيه من كنوز المعاني) ([sup][16])[/sup].
والقرآن بيان من الفتن لمن يعرف أن يستنطق القرآن، عن أمير المؤمنين (ع) قال سمعت رسول الله (ص) يقول: أتاني جبرئيل فقال يا محمد سيكون في أمتك فتنة. قلت: فما المخرج منها؟ فقال كتاب الله، فيه بيان ما قبلكم من خبر، وفيه خبر من بعدكم وحكم ما بينكم) ([sup][17])[/sup].
إذن القرآن ينطق بخبر ما يأتي من بعدنا، كما يأتي بخبر من جاء قبلنا، ويحكم فينا اليوم، وذلك لمن يعرف كيف يستنطق القرآن، ويعرف لغة القرآن وإشاراته.
كيف ينطق القرآن؟
القرآن خطاب الله تعالى إلى الناس.
وفي هذا الخطاب أمر، ونهي، وزجر، ودفع، واستنكار، وتقريع، وتحبيذ، وتحبيب، وتشويق، ونداء، وهتاف.
وفي هذه النداءات والخطابات ترتفع الحجب بين الله تعالى وعبده حتى يتلقى الإنسان الخطاب مباشرة من لدن الله، فإذا بلغ الإنسان هذا المبلغ من المعرفة، وتلقى الخطاب القرآني من الله مباشرة، وجد في القرآن لذة لا تعادلها لذة.
ورحم الله العبد الصالح العارف الذي كان يقول: كنت أقرأ القرآن فلا أجد فيه لذة كبيرة فأكتفي بالثواب، فحاولت أن أقرأ القرآن وكأني اسمعه من بين شفتي رسول الله (ص) ، فوجدت في تلاوة القرآن لذة عظيمة، ثم حاولت أن أقرأ القرآن، وكأني أتلقاه من ملك الوحي مباشرة، فوجدت في قراءة القرآن من اللذة ما لا يوصف، ثم قرأت القرآن وكأني أتلقاه من عند الله، فوجدت في تلاوة كتاب الله من اللذة ما لا أرتوي منه، ولا أطيق مفارقته، مهما تلوت منه.
فإذا تمرس الإنسان في تلقي الخطاب القرآني من الله مباشرة وجد من تكريم الله تعالى له ما لا يطيق شكره، وأنى يقدر العبد أن يشكر الله تعالى على هذا التكريم وقد خصه بالخطاب دون سائر خلقه، فخاطبه بـ (يا أيها الذين آمنوا).
يقول أمير المؤمنين علي (ع) عن الخطاب القرآني:
(آمر زاجر، وصامت ناطق، حجة الله على خلقه، أخذ عليهم ميثاقه). وفي هذا الخطاب يجد الإنسان لذة لا تفوقها لذة، ويجد بصائر وبينات لا يجدها في غير القرآن).
والقرآن ناصح صادق لنا، ودليل إلى الله، حيث تتداخل الدروب، ويقل الناصحون. يقول أمير المؤمنين (ع): (واستدلوه (القرآن) على ربكم واستنصحوه على أنفسكم واتهموا عليه آراءكم)([sup][18])[/sup].
فالقرآن إذن كتاب ناطق ولابد أن نعرف كيف نستنطقه، والقرآن ينطق بعضه ببعض.
يقول أمير المؤمنين علي (ع) : (كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض).
إذن القرآن دليل صادق، وناصح أمين، وليس كتاب خبر ما مضى فحسب وإنما هو كتاب خبر من يأتي أيضاً ،يرجع اليه الناس في كل ما يهمهم وفي كل فتنة، وفي كل داء، وذلك بشرط أمرين:
1 – أن يتعرف الإنسان على بصائر القرآن.
2 – أن يسلم الإنسان نفسه وزمام أموره للقرآن، عند ذلك يجد الإنسان في القرآن دليلاً في كل تيه وضياع.
 
- الاستشعار بخطاب الله ونداءاته
القرآن خطاب الله لعبده، خصّ الله تعالى به الإنسان دون سائر خلقه، ولو أن الله تعالى خاطب بهذا القرآن الجبال الراسيات لتصدعت من خشية الله.
يقول تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) ([sup][19])[/sup].
وتخصيص الإنسان بالخطاب من تكريم الله تعالى.
يقول تعالى: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ)([sup][20])[/sup]، (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ([sup][21])[/sup]، (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) ([sup][22])[/sup]، (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ) ([sup][23])[/sup]، (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ) ([sup][24])[/sup].
فإذا استشعر الإنسان في القرآن هذا التخصيص الإلهي لا يجد لذة فوق لذة القرآن.
ومن مفاتيح القرآن أن يستشعر القارئ خطابات القرآن، ونداءاته، وهتافه للمؤمنين والناس جميعاً، فإن القرآن نزل من لدن الله تعالى على رسوله (ص) لدعوة الناس وتذكيرهم، وتنبيههم، وهدايتهم، والناس كل الناس هم المعنيون بما في هذا القرآن من دعوة، وتوجيه، وتذكير وذكر.
والإحساس بهذا التكريم الإلهي للإنسان، والاستشعار بنداءات الله تعالى للإنسان في القرآن، وتخصيصه بالنداء، دون سائر الكائنات يفتح مغاليق القلوب على القرآن، والإنسان إذا وعى هذا التخصيص الإلهي له بالنداء والهتاف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، و (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) انفتح قلبه على القرآن ولبى نداء الله تعالى من كل قلبه. ومن لا يعي تخصيص الله تعالى له بالنداء، ولا يستشعر عمق هذا التكريم الإلهي له يبقى محجوباً عن القرآن مهما أوتي من علم وعرفان في القرآن([sup][25])[/sup].
اسمعوا هذه الآية كيف يخاطبنا الله تعالى بها:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) ([sup][26])[/sup].
وكيف يخصنا الله تعالى بالخطاب والتكريم والتمثيل والتبيين والتبسيط ورفع الحجب بينه عز شأنه وبيننا.
وعندما يستشعر الإنسان خطاب الله تعالى بـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وتخصيص الله تعالى له بالخطاب يطير فرحاً وشوقاً ولذة إلى كلام الله تعالى. اللهم إنا نعجز عن حمدك وشكرك على هذا الخطاب والتكريم والتخصيص، فإذا كان الشعور بهذا العجز من الشكر، فإنا لك شاكرون، حامدون.
والناس يقرأون القرآن على إحدى ثلاث حالات:
الأولى: منهم من يقرأه، وهو يرى نفسه بين يدي الله يتلو كتابه، فيكون حاله حال التضرع والهيبة والأدب.
الثانية: ومنهم من يرى نفسه موضع خطاب الله تعالى وندائه وهتافه فتمتلئ نفسه شوقاً وهيبة، شوقاً إلى خطاب الله، وهيبة من الله تعالى وإقبالاً على فهم كلام الله.
الثالثة: ومن الناس من يرى في كلام الله صفات الله وأسماءه الحسنى، وجماله وجلاله، فيستغرقه القرآن ويمتلك عليه كل مشاعره، وأحاسيسه وفؤاده.
عن الإمام الصادق (ع) : (والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه، ولكن لا يبصرون)([sup][27])[/sup].
وقليلون أولئك الذين ينعمون بهذه الرؤية، وهذا الوعي، ولو أن الناس قرأوا القرآن بهذا الوعي، ووعوا في قراءتهم هذا التكريم والتخصيص الإلهي لهم لم يشبعوا من القرآن، ولم يجدوا لذة فوق لذة تلاوة القرآن([sup][28])[/sup].
ـ التكرار والتأكيد
ومن الأساليب التي ينفذ بها القرآن إلى نفس الإنسان التكرار، فإن لكل قراءة نكهة، وفي كل مرة يجد الإنسان من طعم القراءة، ونكهتها ما لم يجدها من قبل، وكلما تكرر القرآن أكثر من ذي قبل يكتشف الإنسان في كل مرة من أعماق هذا القرآن وآفاقه ما لم يكتشفها من قبل.
إن أمر هذا القرآن عجيب فكلما كرره الإنسان ازداد إليه شوقاً، وفتح القرآن له كنوزه أكثر، وانطبع في نفسه انطباعاً أقوى.
وقد روي أن رسول الله (ص) كرر ذات يوم (بسم الله الرحمن الرحيم) عشرين مرة.
وعن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: أقام بنا رسول الله (ص) فقام ليلة بآية يرددها (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ)، (المائدة: من الآية118).
وقام أحد الصالحين ليلة يردد هذه الآية: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) (يّـس:59) وأنها لآية رهيبة تملأ النفوس المؤمنة رهبة، وخوفاً من ذلك الخطاب الذي يأمر يوم القيامة بتمييز المجرمين من غيرهم، فيتميز المجرمون عن غيرهم في لحظة واحدة من بين ذلك الجمع العظيم، فيقادون إلى جهنم وبئس المصير.وكلما يكرر الإنسان هذه الآية العظيمة تمتلأ نفسه اكثر من ذي قبل رهبة وخشوعاً، وتملأ الرهبة عليه أفاق نفسه.
وقام أحدهم للصلاة في مقام ابراهيم ليلاً فلما بلغ قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (الجاثـية:21) فأخذ يكررها، ويبكي حتى أصبح الصباح، وكان فضيل إذا بلغ هذه الآية يكررها كثيراً ويقول: ليت فضيل يعلم من أي الطائفتين هو؟
وقام أحد الصالحين في سورة (هود) ستة أشهر لا يفارقها، يعيدها، ويكررها، ويتأملها، ويتدبر فيها ... وهذه هي السورة التي قال عنها رسول الله (ص) (شيبتني هود)، ولئن أراد الإنسان أن يقف عند مواقف هذه السورة المباركة ومنعطفاتها وآفاقها وأعماقها ، وما فيها من معاناة الانبياء من أممهم وتعنت الناس في مقابلهم لما استطاع أن يفارق هذه السورة سريعاً.
إننا يجب أن نقرأ القرآن كما نشرب الماء، ونرتوي منه فلا نترك الآية والسورة من القرآن حتى نرتوي منها، والإنسان من نفسه على بصيرة، ولا ينبغي أن يقوم عن القرآن حتى يرتوي، ويذهب ظمؤه([sup][29])[/sup]. إذا كان الإنسان يرتوي من كتاب الله، ويذهب ظمؤه منه!!
- التجاوب مع القرآن
ومن مفاتيح القرآن التجاوب  عند التلاوة، وحالة التجاوب تأتي بعد حالة الاستشعار التي تحدثنا عنها في نقطة (16) السابقة.
عندما يستشعر القارئ إن الله سبحانه وتعالى يعنيه بخطابه، وندائه وتوبيخه، وإنكاره، وترغيبه، وترهيبه، وتبصيره، وتحريكه، ... يتجاوب مع القرآن في كل ذلك ويلبّي دعوة الله، ونداءه، وهتافه، ويعبّر عن مشاعره وأحاسيسه في كل حالة بما يناسب تلك الحالة([sup][30])[/sup].
يقول حذيفة: صلّيت مع رسول الله (ص) فابتدأ سورة البقرة وكان لا يمر بآية عذاب إلاّ استعاذ بالله،  ولا بآية رحمة إلاّ سأل الله، ولا بآية تنزيه إلاّ سبّح، فإذا فرغ قال، ما كان يقوله صلوات الله عليه عند ختم القرآن: «اللهم ارحمني بالقرآن، واجعله لي إماماً، ونوراً، وهدى، ورحمة، اللهم ذكّرني منه ما نسيت، وعلمني
منه ما جهلت ، وارزقني تلاوته آناء الليل والنهار، واجعله حجة لي يا رب
العالمين» ([sup][31])[/sup].
وروي عن الصادق (ع) أنه إذا مرّ في القرآن بـ : (يا أيها الناس) قال: لبيك ربنا، وإذا قرأ: (الله خير أما يشركون) قال: الله خير، الله أكبر، وإذا قرأ: (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) قال: كذب العادلون بالله، وإذا قرأ (الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك) كبّر ثلاثاً، وإذا فرغ من الإخلاص، قال: كذلك الله ربي([sup][32])[/sup].
ويستحب أن يقول القارئ عند قراءة قوله تعالى: (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)([sup][33])[/sup]: الله ربنا.
وأن يقول عند قوله تعالى: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ([sup][34])[/sup]: سبحانك بلى.
وعند قوله تعالى: (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) ([sup][35])[/sup]: بل أنت الله الخالق.
وعند قوله تعالى: (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) ([sup][36])[/sup]: بل أنت الله الزارع.
وعند قوله تعالى: (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ) ([sup][37])[/sup]: بل أنت المنشئ.
وعند قوله عز وجل: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ([sup][38])[/sup]: لا بشيء من آلائك رب أكذب([sup][39])[/sup].
وروى ابن الضحاك قال: كان الرضا (ع) في طريق خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة، وتعوذ به من النار([sup][40])[/sup].
وعن أبي عبد الله الصادق (ع): «إذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها واسأل الله تعالى الجنة، وإذا مررت بآية فيها ذكر أهل النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار([sup][41])[/sup]».
- التفاعل مع القرآن
حالة التفاعل مع القرآن حالة فوق التدبر وحضور القلب، والتعمق إنها حالة الانفعال تجاه القرآن والتأثر النفسي الشديد بالقرآن، حتى يشعر بفعل القرآن العجيب في نفسه ويلمس تأثيره وانفعاله بالقرآن.
وهي التي تشير إليها الآية الكريمة من سورة الأنفال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً) ([sup][42])[/sup].
وهذه الحالة من التأثر الشديد بالقرآن من خصائص المؤمنين الخائفين من الله تعالى عند ذكر الله وعند تلاوة كتاب الله.
يقول تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِها، مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) ([sup][43])[/sup].
هكذا تقشعر الجلود والقلوب، تهيّباً من كلام الله العزيز الجبار وخطا به ثم تسكن القلوب، وتطمئن النفوس، وتلين الجلود بذكر الله، وهي حالة الانقياد والسكون الكامل للقرآن، وهذا  الانقلاب من الهيبة والرهبة الى السكون الى كلام الله من خصائص المؤمنين، عبّر عنه القرآن بـ (إنما المؤمنون) على نحو الحصر.
ومثل هذه القراءة هي التي تتفتح لها مغاليق القلوب، وتنفذ إلى الصدور والنفوس ، وتنعكس على جوارح الإنسان وجوانحه.
وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) «أقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، ولانت عليه جلودكم، فإذا اختلفتم فلستم تقرأونه([sup][44])[/sup]».
و(ائتلاف القلوب) حالة دقيقة وهي حالة سكون النفس، وهي فوق حالة الانقياد والتسليم، ولين الجلود وهي حالة الاستسلام والانسجام.
وأما إذا اختلفتم يعني اختلف ظاهركم عن باطنكم فلستم تقرأونه.
يقول أمير المؤمنين (ع) في خطبة المتقين وهو يصف تفاعل المتقين مع القرآن وتعاطيهم له:
(اما الليل فصافون أقدامهم، تالين لاجزاء القرآن، يرتلونه ترتيلاً، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء داءهم ، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنها نصب أعينهم ، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا اليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم)([sup][45])[/sup].
في هذه الحالة يقع الإنسان في دائرة نفوذ القرآن، وتحت سلطانه، بشكل كامل وتنتقل نفسه في أجواء القرآن من جوّ إلى جوّ، من جوّ الإنذار إلى جوّ التبشير. كما ينتقل الإنسان من الصيف إلى الشتاء ومن الليل إلى النهار، كذلك يجب أن يتحوّل الإنسان في القرآن من حال الى حال ويتفاعل معه.

يتبع في الرد

 
Admin
يقول تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) ([sup][46])[/sup].
حالتان تطرءان على النفس عند قراءة أحسن الحديث، الحالة الأولى حالة الهيبة والترقب والخشية من عظمة الله، عندما يواجه الإنسان هذا الكلام العظيم من الله العظيم، فتأخذه الهيبة وكأنما يتصلب جلد الإنسان، ثم عندما يسترسل في القرآن إلى رحمة الله الواسعة، ولطفه بعباده، وخطابه لهم، وعنايته لهم، ورعايته بهم، ورحمته بهم وتخصيصه لهم في الخطاب تلين جلودهم إلى ذكر الله، ويسكنون الى كلام الله وخطابه.
هذا التحول من التهيب إلى الركون والسكون من خصائص كتاب الله.
وهكذا يفعل القرآن في القلوب السليمة، وهذا التفاعل علامة سلامة القلب، كما أن جمود قلب الإنسان وجوارحه وجوانحه تجاه قراءة القرآن علامة قسوة القلب وانغلاقه.
وجوارح الإنسان على صلة بجوانحه عند قراءة القرآن فيقشعر جلده ويلين، وما أجمل كلام أحد العارفين (إن الله أطلق كل شعرة في جسد الإنسان لقراءة القرآن)([sup][47])[/sup].
إن القلوب السليمة إذا التقت في كتاب الله آيات الإنذار والتخويف غلبها الخوف والتهيب، وإذا التقت بآيات الرحمة سكنت واطمأنت وأخبتت، وإذا التقت بآيات التوبة أنابت إلى الله وتابت، وهكذا للقرآن تأثيرات مختلفة في مشاعر الإنسان إذا سلم قلب الإنسان.
- القراءة بالحزن
الحزن حالة طافحة على القرآن، ومن يقرأ القرآن يلمس هذا الحزن في القرآن على مصير الإنسان ونهايته وسقوطه رغم كل ما أنعم الله تعالى به عليه، وكل الوسائل التي هيأها لهدايته، وأنه لمحزن حقاً أن يسقط الإنسان بعد كل هذه النعم الإلهية والآيات والإنذار والتبشير([sup][48])[/sup].
وعن رسول الله (ص): (إن القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا)([sup][49])[/sup].
وعن رسول الله (ص): (إن القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فتحازنوا).
عن الإمام الصادق (ع): (القرآن نزل بالحزن فاقرأه بالحزن)([sup][50])[/sup].
وهذا الأحاديث تنطوي على نقطتين:
أ – القرآن نزل بالحزن:
القرآن خطاب الله للإنسان وهذا الخطاب مشحون  بالحرص على إنقاذ الإنسان وهدايته من جانب الله تعالى ويواجهه الإنسان بالجحود والرفض والتنكّر.
وهدايته ويواجه من ناحية الإنسان تنكراً وجحوداً.
إن هذه المقابلة السيئة من الإنسان لله تعالى، في مقابل رحمته وفضله الذي لا حدّ له على الناس هو مصدر (الحزن) الذي يغطّي مساحة واسعة من القرآن الكريم .. (الحزن والأسف على الإنسان في طيشه وتعنته وغروره، وإعراضه عن الله واستخفافه بآيات الله، والحزن والأسف على ما يؤول إليه أمر هذا الإنسان، فما أكفر هذا الإنسان وما أتعس حاله، إنه يقابل عهد الله تعالى بالخلف والحنث، ويقابل دعوة الله بالإعراض. ويقابل رسل الله بالتكذيب والاستخفاف ويقابل آيات الله بالاستهزاء والتعنت، ويقابل العبر الكثيرة التي يلتقي بها في التاريخ بالغفلة، ويجادل في الله تعالى وآياته ووعده)([sup][51])[/sup].
وأننا لنقرأ سورة (التين) المباركة من السور القصار في القرآن فنشعر بنبرة الحزن ووقعها الحزين للعاقبة المفجعة، التي ينتهي إليها الإنسان من السقوط في أسفل سافلين بعد أن أعدّه الله تعالى لأعلى عليين: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ([sup][52])[/sup].
ب – فاقرأوه بالحزن:
فالقراءة الصحيحة ينبغي أن تكون منسجمة مع النزول، وبما أن النزول بالحزن ينبغي أن تكون القراءة بالحزن. وليست القراءة على النهج المطرب الذي يقرأه به بعض القرّاء اليوم ليثير ويطرب المستمع أو يهيجه، وإنما النهج الصحيح هو النهج الخاشع ترتيلاً أو تجويداً.
وليس القرآن وحده كذلك ، وانما كتب الله تعالى نزلت كلها بالحزن.
عن الصادق (ع): (إن الله أوحى إلى موسى بن عمران إذا وقفت بين يدي، فقف موقف الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراة فاسمعنيها بصوت حزين)([sup][53])[/sup].
وكلما كانت القراءة حزينة أكثر كانت أقرب إلى نزول القرآن وأكثر
تعبيراً عنه.
- البكاء عند قراءة القرآن
يتحول الإنسان خلال سيره في القرآن من لون إلى لون من الأحاسيس ، والمشاعر، والانفعالات النفسية، من هذا الطيف النفسي الذي يشكل مجمل العلاقة بالله تعالى.
وذروة هذا التفاعل الروحي هي البكاء، فإن البكاء تعبير عن أعلى درجات الرقة، والخشوع والتفاعل مع القرآن، كما يصح العكس ايضا، فإن البكاء يرقّق القلب، ويستجلب الخشوع إلى القلب والروح، ويزيل الصدأ عن النفوس.
والبكاء من أوضح أمارات التفاعل مع القرآن والدخول في دائرة نفوذه، ومن أقوى أمارات استقرار المعرفة، واليقين في نفوس المؤمنين.
يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) ([sup][54])[/sup].
ولقد كان رسول الله (ص) والأئمة من أهل بيته (ع) وخيار صحابته وخيار المسلمين لا يملكون أنفسهم من البكاء عند قراءة القرآن([sup][55])[/sup].
1 – روي أن رسول الله (ص) قال لابن مسعود: أقرأ عليّ، قال ابن مسعود: ففتحت سورة النساء، فلما بلغت (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) ([sup][56])[/sup]، رأيت عينيه تذرفان من الدمع فقال لي: حسبك الآن([sup][57])[/sup].
2 – وعن الإمام الصادق (ع): (كان رسول الله (ص) إذا قرأ هذه الآية: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ، وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ، وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً، إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ، وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) ([sup][58])[/sup]، بكى بكاءً شديداً([sup][59])[/sup].
3 – عن زر بن حبيش قال قرأت القرآن في المسجد الجامع على أمير المؤمنين(ع) فلما بلغت حم عسق (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ([sup][60])[/sup]، بكى علي (ع) حتى علا نحيبه([sup][61])[/sup].
4 – وروى علي بن ابراهيم في تفسيره عن أبي عبد الله الصادق (ع): (إن أبا عبد الله الصادق (ع) تلا قوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ([sup][62])[/sup]،  جعل يبكي ويقول: ذهبت والله الأماني عند هذه الآية([sup][63])[/sup].
5 – وعن رجاء بن الضحاك قال: كان الرضا (ع) في طريق خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار، بكى وسأل الله الجنة، وتعوذ به من النار([sup][64])[/sup].
ـ التحازن والتباكي
تحدثنا عن نزول القرآن بالحزن والأمر بقراءته بالحزن و(أن القرآن نزل بالحزن فاقرأوه بالحزن)([sup][65])[/sup].
وتحدثنا عن البكاء عند قراءة القرآن، والحزن وإنّ البكاء أعلى درجات التفاعل مع القرآن.
ومفتاح الحزن والبكاء هو التحزين والتباكي، بمعنى محاولة الحزن والبكاء ...
وهذه المحاولة تؤدي – عند صدق المحاولة – إلى الحزن والبكاء ، وقد روي في النصوص الإسلامية الأمر بالتحزين والتباكي عند قراءة القرآن.
ففي خطبة المتقين لأمير المؤمنين (ع) في صفة المتقين عند قراءة المتقين في آناء الليل: (أما الليل فصافون أقدامهم يرتلون القرآن ترتيلاً، يحزّنون به أنفسهم ويستثيرون دواء دائهم)([sup][66])[/sup].
والعلاقة بين التحزين والاستثارة في هذه الفقرة من النص تلفت النظر، وكأن الحزن عند تلاوة آيات القرآن هو دواء داء النفوس، والتحزين هو استثارة دواء نفوسهم وليس يأتيهم من الخارج، وليس على الإنسان إلاّ أن يستثيره، ويستخرجه من داخل نفسه ليداوي به ما في نفسه من الأدواء.
وروي عن رسول الله (ص): (إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا)([sup][67])[/sup].
والتحازن ليس هو التظاهر بالحزن، وإنما هو محاولة التحزين وإثارة الحزن في النفس.
روى القطب الراوندي في دعواته عن الصادق (ع): (إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى (ع): إذا وقفت بين يدي فقف موقف الذليل الفقير، وإذا قرأت فاسمعنيها بصوت حزين.
وروى الصدوق في الأمالي عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: كان فيما وعظ الله تبارك وتعالى به عيسى (ع): يا عيسى شمّر فكل ما هو آت قريب، واقرأ كتابي، وأنت طاهر، وأسمعني منك صوتاً حزيناً)([sup][68])[/sup].
فإذا لم يتسن للإنسان البكاء، وكانت الذنوب والسيئات وشواغل الدنيا قد سلبت من القلوب الرقة، فالتباكي هو الوسيلة التي تفضي إلى البكاء ...
وأن الإنسان قد ينفجر بالبكاء أحياناً كما تنفجر الأرض عن الماء، كذلك البكاء قد يكون انفجاراً في داخل النفس، هائلاً  وكبيراً، يزيل عنها الصدأ والرين المتراكم على القلب، ويستخرج منها ما أودع الله تعالى فيها من هدى وما ألهمها من التقوى.
والتباكي هو اداة هذا الانفجار.
عن رسول الله (ص) قال: (اتلوا القرآن، وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا)([sup][69])[/sup].
وعن رسول الله (ص): (إن القرآن نزل بالحزن فإذا قرأتموه، فابكوا، فان لم تبكوا فتباكوا)([sup][70])[/sup].
وعن الإمام الصادق (ع): (إن رسول الله (ص) أتى شباباً من الأنصار، فقال: إني أريد أن أقرأ عليكم فمن بكى فله الجنة، فقرأ آخر الزمر: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً)([sup][71])[/sup]، إلى آخر السورة فبكى القوم جميعاً إلاّ شاباً، فقال: يا رسول الله قد تباكيت، فما قطرت عيني.
قال (ص): (إني معيد عليكم فمن تباكى فله الجنة).
فأعاد (ص) عليهم فبكى القوم وتباكى الشاب([sup][72])[/sup].
22- تحكيم القرآن
القرآن (بصائر) و(أحكام). والقراءة الصحيحة هي التي تُمكُّن صاحبها أن يأخذ من بصائر القرآن ما يستنير به فؤاده وعقله، ويأخذ من أحكام القرآن ما يقوّم به سلوكه وحركته.
القراءة الجادة الصادقة لكلام الله هي التي تمنح صاحبها العزم والإرادة على العمل بكتاب الله، ولا تأخذه في ذلك لومة لائم.
ويتخذه مقياساً عنده للحكم، ويتّهم نفسه، إذا وجد في نفسه ميلاً إلى خلاف القرآن، ويتّخذ القرآن مقياساً دقيقاً ليقيس به عمله، وفكره، وعواطفه، وعلاقاته، وعباداته، ومنطقه، وسلوكه.
وعلاقة هذا الأمر بالقراءة واضحة لا تخفى .. فإن القراءة الجادة الصادقة لكلام الله وحكمه وبصائره تمنح الإنسان هذه القوة والعزم في الاهتداء بهذا القرآن، والالتزام بأحكامه.
عن الإمام جعفر الصادق (ع): (القُرّاء ثلاثة: قارئ قرأ القرآن ليستدر به الملوك، ويستطيل به على الناس، فذلك من أهل النار، وقارئ قرأ القرآن فحفظ حروفه، وضيع حدوده، فذلك من أهل النار، وقارئ قرأ القرآن، فاستتر به تحت برنسه، فهو يعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه، ويقيم فرائضه، ويُحلّ حلاله، ويحرم حرامه، فهذا ممن ينقذه الله من مضلات الفتن، وهذا من أهل الجنة، ويشفع فيمن يشاء([sup][73])[/sup].
والبرنس هو الثوب الذي يغطي الرأس، فيغطي الإنسان تغطية كاملة، وهو كناية عن الدخول الكامل تحت غطاء القرآن، والانقياد الكامل له، والانصراف الكامل إليه.
وبالنتيجة فإن تحكيم القرآن يعني أن يُحكّم الإنسانُ القرآن على نفسه تحكيماً، ويتخذه مقياساً للحق والباطل، ويجعله ميزاناً ومعياراً لفهم الأشياء والأشخاص والخطوط، وكلما إلتبس عليه أمر استوضح القرآن فيه، وكلما خشي على نفسه من الشطط والزيغ إستنصح القرآن في نفسه، وكلما رأى من نفسه ميلا ورغبة إلى غير ما يميل إليه القرآن ويرغب فيه أتهم نفسه وصدّق القرآن.
يقول أمير المؤمنين (ع) في القرآن: (واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم واستغشوا فيه أهواءكم)([sup][74])[/sup].
-  قراءة القرآن قائماً في الصلاة
من أفضل حالات القراءة قراءة القرآن قائماً في الصلاة، ومن ذلك ختم القرآن الكامل في النوافل الليلية في شهر رمضان.
وهنيئاً لمن وفقه الله تعالى أن يختم القرآن دورة كاملة، وهو قائم يصلي، ومن أروع مشاهد ذلك أن يمر القارئ وهو قائم بآية السجدة فيخر مرة واحدة للسجود ثم يعود قائماً مصداقاً للآية الكريمة: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)([sup][75])[/sup].
عن علي (ع): (من قرأ القرآن، وهو قائم في الصلاة، كان له بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأه وهو جالس في الصلاة، فله بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأ في غير صلاة على وضوء فخمس وعشرون حسنة، ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات، وما كان من القيام بالليل فهو أفضل لأنه أفرغ للقلب)([sup][76])[/sup].
وهذه الجملة الأخيرة يذكرها الإمام (ع) عن خبرة ومعرفة وممارسة.
إنّ القيام، والوضوء، والصلاة، والليل، وغيرها من أسباب حضور القلب والتركيز تستفرغ القلب للذكر والتلاوة والاقبال على الله.
وروى الشيخ الكليني عن الإمام الحسين (ع): (من قرأ آية من كتاب الله في صلاته قائماً، يكتب له بكل حرف مائة حسنة، فإن قرأها في غير صلاة كتب له بكل حرف عشر حسنات، فان استمع القرآن كتب له بكل حرف حسنة، فإن ختم القرآن ليلاً صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن ختم نهاراً صلت عليه الحفظة حتى يمسي، وكانت له دعوة مجابة، وكان خيراً له مما بين السماء والأرض.
وقلت: هذا لمن قرأ القرآن فمن لم يقرأ؟
قال: (يا أخا بني أسد إن الله جواد ماجد كريم إذا قرأ ما معه اعطاه الله ذلك)([sup][77])[/sup].
-  قراءة القرآن في آناء الليل
وفي آناء الليل يفرغ القلب لله تعالى أكثر من أي وقت آخر، ويتخلص القلب من الكثير من الشواغل التي تُلّمّ بالقلب، ولذلك فإن لقراءة القرآن في الليل، وفي السرّ وقع أقوى على نفس الإنسان([sup][78])[/sup].
عن نوف قال: (بتُّ ليلة عند أمير المؤمنين (ع) فكان يصلي الليل كله، ويخرج ساعة بعد ساعة، فينظر إلى السماء ويتلو القرآن)([sup][79])[/sup].
يقول ابن الجوزي: كان أحد الصالحين إذا جنّ عليه الليل أخذ في البكاء والعويل، فقالت له أمه ليلة: يا بني، أرفق بنفسك، فقال: يا أماه إن لي موقفاً طويلاً بين يدي رب جليل، فلا أدري ما يؤمر بي إلى ظل ظليل، أو إلى شر مقيل، إني أخاف عناءً لا راحة بعده، وتوبيخاً لا عفو معه.
فمرت به ليلة وهو يتهجد بهذه الآية: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ([sup][80])[/sup] ، فبكى واضطرب وغُشيَ عليه، فجعلت امه تناديه، ولا يجيبها، فقالت له: قرة عيني أين الملتقى؟ فقال بصوت ضعيف: إن لم تجديني في عرصة القيامة، فاسألي عني مالكاً (خازن النار) ثم شهق شهقة فمات([sup][81])[/sup].
- الدعاء عند ختم القرآن
ونذكر هنا جملة من الأدعية المأثورة عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) في ختام التلاوة، وقراءة هذه الأدعية واستعراضها ينفع في معرفة المسائل التي كانت موضع اهتمامهم وعنايتهم (ع) في تلاوة القرآن.
من ذلك دعاء الإمام زين العابدين علي بن الحسين في الصحيفة السجادية عند ختم القرآن.
(اللهم فكما جعلت قلوبنا له حملة، وعرفتنا برحمتك شرفه وفضله، فصلّ على محمد وعلى آله الخُزّان له، وأجعلنا ممن يعترف بأنه من عندك، حتى لا يعارضنا الشك في تصديقه، ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه).
(اللّهم صلّ على محمد وآله، واجعلنا ممن يعتصم بحبله، ويأوي من المتشابهات إلى حرز معقله، ويسكن في ظل جناحه، ويهتدي بضوء صباحه، ويقتدي بتبلّج أسفاره، ويستصبح بمصباحه، ولا يلتمس الهدى في غيره.)
(اللّهم وكما نصبت به محمداً علماً للدلالة عليك، وأنهجت بآله سبل الرضا إليك، فصلّ على محمد وآله، واجعل القرآن وسيلة لنا إلى أشرف منازل الكرامة، وسلّما نعرج به إلى محل السلامة، وسبباً  تجري به النجاة في عرصة القيامة، وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة).
(اللهم صلّ على محمد وآله، وأحطط بالقرآن عنا ثقل الأوزار، وهب لنا حسن شمائل الأبرار، واقف بنا آثار الذين قاموا لك به أناء الليل وأطراف النهار، حتى تُطهّرنا من كل دنس بتطهيره، وتقفوا بنا آثار الذين استضاءوا بنوره، ولم يلههم الأمل عن العمل، فيقطعهم بخدع غروره.)
(اللّهم صلّ على محمد وآله، واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنسا، ومن نزغات الشيطان وخطرات الوساوس حارساً، ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرساً، ولجوارحنا عن إقتراف الآثام زاجراً، ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشراً، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه، وزواجر أمثاله، التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله.)
(اللّهم صلّ على محمد وآله وأدم بالقرآن صلاح ظاهرنا، وأحجب به خطرات الوساوس عن صحة ضمائرنا، وأغسل به درن قلوبنا وعلائق أوزارنا، وأجمع به منتشر أمورنا، وأروِ به في موقف العرض عليك ظمأ هواجرنا، واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا.)
(اللّهم فصلّ على محمد وآله، وأجبر بالقرآن خُلّتنا من عدم الإملاق، وسق إلينا به رغد العيش وخصب سعة الأرزاق، وجنبنا به الضرائب المذمومة ومداني الأخلاق، وأعصمنا به من هوة الكفر ودواعي النفاق، حتى يكون لنا في القيامة إلى رضوانك وجنانك قائداً، ولنا في الدنيا عن سخطك وتعدي حدودك ذائداً، ولما عندك بتحليل حلاله وتحريم حرامه شاهداً([sup][82])[/sup].)
وكان أمير المؤمنين (ع) إذا ختم القرآن قال: (اللّهم اشرح بالقرآن صدري، واستعمل بالقرآن بدني، ونوّر بالقرآن بصري، وأطلق بالقرآن لساني، وأعنّي عليه ما ابقيتني، فإنه لا حول ولا قوة إلاّ بك([sup][83])[/sup].) وكان الدعاء الذي يدعو به الإمام الصادق جعفر بن محمد (ص) عند الفراغ من القرآن: (اللّهم إني قد قرأت ما قضيت من كتابك الذي انزلت به على نبيك الصادقْ (ص) فلك الحمد ربنا، اللّهم أجعلني ممن يُحلّ حلاله، ويُحرّم حرامه، ويؤمن بمحكمه ومتشابهه، واجعله لي أُنساً في قبري، وأُنساً في حشري، واجعلني ممن ترقيه بكل آية قرأها درجة في أعلى عليين([sup][84])[/sup].
في الإنصات إلى القرآن وأدب الاستماع
ومن مفاتيح القرآن الانصات للقرآن، وتوقير القرآن بالاستماع له والانصات إليه.
يقول تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ([sup][85])[/sup].
وقد روي عن أمير المؤمنين (ع): (من استمع قارئاً يقرأها «أي سورة الحمد» كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعروض له، فإنه غنيمة، فلا تذهبن أوانه فتبقى في قلوبكم حسرة)([sup][86])[/sup].
وعن الإمام الصادق (ع): (من سمع حرفاً من كتاب الله، من غير قراءة، كتب الله له حسنة، ومحا عنه سيئة، ورفع له درجة)([sup][87])[/sup].
وقد وردت جملة من الروايات في وجوب الإنصات لقراءة القرآن، كما قد يستظهر من الآية الكريمة: (وإذا قُرىء القرآنُ فاستمعوا له، وأنصتوا ، لعلكم تُرحمون) الأعراف: 214
وروي عن الإمام الصادق (ع): (يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وغيرها، وإذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع)([sup][88])[/sup].
وعن معاوية بن وهب عن الإمام الصادق (ع): (قال سألته عن الرجل يّؤمّ القوم، وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فقال: إذا سمعت كتاب الله يتلى فانصت له، فقلت: إنه يشهد عليّ بالشرك. فقال: إن عصى الله، فأطع الله، فرددت عليه فأبى أن يرخص لي.
قال: قلت: إذن أصلّي في بيتي ثم أخرج إليه؟ فقال: أنت وذلك وقال: إن علياً(ع) كان في صلاة الصبح ، فقرأ ابن الكواء (من الخوارج المعروفين في عدائه للإمام (ع) وهو خلفه (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ([sup][89])[/sup]، فانصت علي(ع) تعظيماً للقرآن، حتى فرغ من الآية، ثم عاد في قراءته ثم أعاد ابن الكواء الآية، فأنصت علي (ع) أيضاً، ثم قرأ فأعاد ابن الكواء فأنصت علي (ع) ثم قال: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) ([sup][90])[/sup]، ثم أتمّ السورة وركع ..)([sup][91])[/sup].
والحمد لله رب العالمين.
 
الهوامش:



 ([1]في رحاب القرآن: 1 / 145 .
([2]) في رحاب القرآن: 5 / 174 .
([3]) في رحاب القرآن: 1 / 145 .
([4])  في رحاب القرآن: 1 / 156 .
([5])  النساء 82 .
([6]) يوسف: 2 .
([7]) تحف العقول: 204، بحار الأنوار: 2 / 19 .
([8]) معاني الأخبار : 67 .
([9]) جامع الأخبار والآثار: 165، الكافي: 2 / 600 ح5، عنه في الوسائل : 4 / 828 ح1 .
([10]) جامع الأخبار والآثار: 157، نهج البلاغة: 252 ح 176، عنه في البحار: 92/ 23 ح 24 .
([11]) الكافي: 2 / 446 .
([12]) تفسير الصافي المقدمة الثامنة، وسفينة البحار مادة (بطن).
([13]) الكافي: 2 / 438 .
([14]) في رحاب القرآن: 1 / 83 – 89 .
([15]) بحار الأنوار: 92 / 23، نهج البلاغة: الخطبة/ 156 .
([16]) في رحاب القرآن: 1 / 19 .
([17]) تفسير العياشي: 1 / 3 .
([18]) نهج البلاغة، الخطبة/ 176 .
([19]) الحشر: 21 .
([20]) الانبياء: 10 .
([21]) النحل 44 .
([22]) الزمر : 55 .
([23]) آل عمران: 138 .
([24]) الجاثية 20 .
([25]) في رحاب القرآن: 1 / 169 .
([26]) الحج: 73 .
([27]) المحجة البيضاء: 2 / 247 .
([28]) في رحاب القرآن: 1 / 170 .
([29]) في رحاب القرآن: 1 / 158 – 159 .
([30]) في رحاب القرآن: 1 / 160 .
([31]) المحجة البيضاء: 2 / 227 .
([32]) المحجة البيضاء: 2 / 228 .
([33]) الملك: 30 .
([34]) القيامة: 40 .
([35]) الواقعة: 59 .
([36]) الواقعة: 64 .
([37]) الواقعة: 72 .
([38]) الرحمن: 13 .
([39]) المحجة البيضاء: 2 / 229 .
([40]) عيون الأخبار: 2 / 183 .
([41]) الكافي: 2 / 617 .
([42]) الأنفال: 2 .
([43]) الزمر: 23 .
([44]) مستدرك الوسائل: 4 / 239 .
([45]) نهج البلاغة، الخطبة/ 188. شرح محمد عبده.
([46]) الزمر: 23 .
([47]) معترك الأقران: 1 / 246 .
([48]) في رحاب القرآن: 1 / 189 ..
([49]) مجمع البيان: 1 / 16 .
([50]) أصول الكافي: 2 / 614 .
([51]) في رحاب القرآن: 1 / 195 – 196 .
([52]) التين : 1 – 6 .
([53]) وسائل الشيعة: 4 / 857 .
([54]) الإسراء: 107 – 109 .
([55]) في رحاب القرآن: 1 / 135 .
([56]) النساء: 43 .
([57]) مستدرك الوسائل: 4 / 238، عن أسرار الصلاة للشهيد: 139، وبحار الأنوار : 92/ 216 .
([58]) يونس: 61 .
([59]) نور الثقلين: 2 / 308، ومجمع البيان: 3 / 119 .
([60]) الشورى: 22 .
([61]) مستدرك الوسائل: 4 / 277  .
([62]) القصص: 83 .
([63]) مستدرك الوسائل: 4 / 277.
([64]) بحار الأنوار: 92/ 210 و 218، وعيون أخبار الرضا.
([65]) نهج البلاغة: الخطبة/ 193، المعروفة بخطبة المتقين.
([66]) نهج البلاغة: الخطبة/ 193، المعروفة بخطبة المتقين.
([67]) المحجة البيضاء: 2 / 226  .
([68]) أمالي الصدوق: 418، ورواه الكليني في الكافي: 8/ 135، والمستدرك: 4 / 217 .
([69]) المحجة البيضاء: 2 / 225 .
([70]) جامع الأخبار: ص 57 .
([71]) الزمر: 71 .
([72]) المجالس: 325 .
([73]) خصال الصدوق: 1 / 70 .
([74]) في رحاب القرآن: 1 / 133 – 134 .
([75]) آل عمران : 191 .
([76]) المحجة البيضاء: 2 / 614 .
([77]) الكافي: 2 / 611 .
([78]) في رحاب القرآن: 1 / 168 .
([79]) الخصال للصدوق: 337 .
([80]) الحجر: 92 – 93 .
([81]) التبصرة لابن الجوزي: 1 ، 29 .
([82]) الصحيفة السجادية: الدعاء / 42 .
([83]) مصباح المتهجد كما في بحار الأنوار: 92 / 209 .
([84]) الاختصاص: 241، بحار الأنوار: 92 / 207 .
([85]) الأعراف: 204 .
([86]) تفسير الإمام العسكري عنه من المستدرك: 1 / 293 .
([87]) مستدرك الوسائل: 1 / 295 .
([88]) بحار الأنوار: 92 / 220 .
([89]) الزمر: 65 .
([90]) الروم: 60 .
([91]) التهذيب: 2 / 255، والكنى والألقاب: 1 / 389، والمحجة البيضاء: 2 / 234 و 233 .
مواضيع مماثلة

سجل دخولك أو أنشئ حسابا لترك رد

تحتاج إلى أن تكون عضوا من أجل ترك الرد.

انشئ حسابا

الانضمام إلى مجتمعنا من خلال إنشاء حساب جديد. من السهل


أنشئ حسابا جديد

تسجل دخول

هل لديك حساب بالفعل؟ لا توجد مشكلة، قم بتسجيل الدخول هنا.


تسجيل دخول