المواضيع الأخيرة
مثال للتداول
من طرف salma3li الثلاثاء سبتمبر 10, 2024 4:05 am

نصائح هامة للاستثمار في البورصة العراقية
من طرف salma3li الأحد سبتمبر 08, 2024 11:45 pm

إنشاء محفظة تداول
من طرف salma3li الجمعة سبتمبر 06, 2024 3:17 am

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 8 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 8 زائر

لا أحد

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 111 بتاريخ الخميس يناير 02, 2020 11:11 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 213 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو عبدالرحيم فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 2937 مساهمة في هذا المنتدى في 1884 موضوع

لونك المفضل


الملتقى العلمي للطلاب الجزائريين :: الأرشيف الاجتماعي :: Old4you :: الأرشيف العام :: قسم الفقه وأصوله

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي » قراءة في ثلاثة أوراق تاريخية

Admin
(لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألبياب ) (يوسف: 111 )
لا نريد بعرض هذه الأوراق المأساوية من تاريخنا أن نقدم إضافات لصور المآسي والمعاناة التي نعيشها، وألواناً كئيبة من الإحباط واليأس التي تلحق بنا على أكثر من مستوى، والتي باتت تملأ علينا حياتنا، وترافق طعامنا وشرابنا ويقظتنا ومنامنا حيثما تلقينا.. ليس هذا هو المقصود، ولو كان هذا مقصودنا لاكتفينا بالصور المأساوية القائمة التي نعيشها صباح مساء، تحملها إلينا أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة عن فظائع يهود وأفاعيلهم في بيروت الغربية، بل للمسلمين في بيروت، ولاكتفينا بمأساة الصمت العربي أيضاً، الذي لم يخرج في حقيقته عن أن يكون حزءاً من الصورة ومن بعض لوازمها أيضاً، ولكان ذلك جديراً وحده بتحقيق الانكسار النفسي والقنوط الذي أريد لهذه الأمة، ليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود حقيقة أن نقو ل: إن هذه الأمة عانت في تاريخها الطويل من صور المآسي والنكبات ما تكفي الواحدة منها لإزالتها من الوجود، ومحوها من خارطة العالم ، لكن الأمة المسلمةـ تاريخياًـ تحقق لها من عوامل الصمود والاستمرار، وعدم الذوبان والاضمحلال في أيام الغلبة والانكسار قدراً لا يقل عن عوامل القوة في أيام الفتح والانتصار.

إن الذي يقرأ في هذه الأوراق التاريخية التي نقدمها اليوم دون أن يتابع رحلة القراءة في التاريخ ليتعرف كيف استطاعت الأمة تجاوز محنتها في أكثر من مجال، سوف يحكم عليها بلا أدنى شك بأنها انتهت إلى غير رجعة، ذلك أن الاجتياح كان ساحقاً لا يبقى ولا يذر، سواء في ذلك حملات الاستعمار القديم أم الاستعمـار الحديث، مستهدفاً القضاء على الوجود الإسلامي مصادقاً لقوله تعالى ( ولا يزالون يُقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا.. ) ( البقرة : 217)

على الرغم من ذلك كله استطاعت الأشلاء الباقية في كل مرة أن تلملم جراحها وتتعرف على مواطن الضعف في حياتها التي كانت منافذ للعدو، وتتلمس مواطن القوة لتنطلق منها مرة بعد مرة..

من هنا نقول : إن هذه الأوراق التاريخية ليست لمزيد من اليأس، وإنما معالجة لليأس والسقوط والقنوط، وليست القراءة التاريخية بدعاً، وإنما هي طريق الأمم الطبيعي عندما تمر بها أزمة، أو تجتاحها محنة، إنها ترجع إلى قيمها تستوخي منها القوة، وتتعرف منها على مواطن الضعف، وتعود إلى قراءة تاريخها مرة بعد أخرى، قال تعالى: ( لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ) ( يوسف: 111).

وهذا ليس هروباً من الواقع كما يتوهم بعضهم من ضحايا التضليل الثقافي، وليس استمراراً للعيش في مناخ الهزائم، وإنما هو التفتيش عن الوسيلة الأفضل لمواجهة الواقع وتجاوزه، لأننا إذا قبلنا بمنظومة القيم القائمة والوسائل المستخدمة التي حملت لنا الويلات والدمار، معنى ذلك أننا ما نزال مصرين على السير في الطريق المسدود، وقبول الواقع الحالي الذي لا يخرج في حقيقته عن أن يكون نتيجة طبيعية للمقدمات التي صنعناها بأيدينا، الأمر الذي بات معروفاً للقاصي والداني، ولا يتطلب مزيد جهد ونظر، إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن تنتصر الشعارات المرفوعة التي أريد لها أن تكون بديلة عن القيم الإسلامية في حياة الأمة المسلمة، والتي ترفعها الأيدي الملطخة بدماء المسلمين الضالعة في مخططات التسوية المرسومة مسبقاً والمنفذة بدقة ومرحلية..

هذه الأيدي التي حاولت باستمرار سلخ الأمة عن عقيدتها، عدة كفاحها ودرع صمودها، والتي لا تخرج في حقيقتها عن أن تكون جنوداً في جيش العدو..

فالتاريخ ذاكرة الشعوب، وهو المعلم والمرشد، فهل ما تزال لنا ذاكرة تحمل لنا البصارة أم مورست علينا، كجزء من المعكرة، عمليات الإخلاء والإملاء كما يقولون، لنبقى عاجزين عن قراءة تاريخنا والاستفادة منه والاعتبار بحوادثه ؟! نبقى كالشجرة المترنحة التي تتقاذفها الرياح يمنة ويسرة، لا جذور لها، ومالها من قرار.

ولا بد من الاعتراف ابتداء بأن موقفنا من تاريخنا إلى الآن لم يتجاوز الموقف العاطفي، أما الدرس والعبرة، وتلمس معالم الشخصية، والتعرف على مواطن الضعف لتجنبها وعوامل النصر والنهضة لا لتزامها، فهذا أمر متروك لاستفادة عدونا، لأننا أمة تعيش خارج التاريخ، أو هكذا أريد لها على الأقل.

والغريب أن تاريخنا الإسلامي يقرأ لنا بشتى القراءات ـ التي تبعدنا عنه، وتعطل الفائدة منه ـ عدا القراءة الإسلامية على الساحة الإسلامية.. يفسر تاريخنا تفسيراً مادياً، ويفسر تفسيراً عنصرياً أو شعوبياً، ويفسر تفسيراً علمانياً، وقد يفسر تفسيراً باطنياً.. والذي تتاح له قراءة شيء من مناهج التعليم في المناطق الخاضعة للاحتلال اليهودي، يرى أن أطفال المسلمين اليوم ضحايا التفسير اليهودي التوراتي للتاريخ .

إن العدوان العسكري كان موازياً دائماً للعدوان الفكري على قيم هذه الأمة وتاريخها، ولا شك أن العدوان على التاريخ جاء أكبر بكثير ..

نعود إلى هذه الأوراق التاريخية التي نطلب إعا دة قراءتها تحمل الكثير من التفسير لواقعنا الذي نعاني منه

الورقة الأولى كانت عن مسير القرامطة إلى مكة، وما فعلوا سنة 317هـ كأنموذج للكيد الباطني المبكر، والجراثيم الذي وضعه اليهود في جسم هذه الأمة، والذي كان ولا يزال يستيقظ كلما ضعف هذا الجسم، يحاول القضاء عليه .. والورقة الثانية كانت عن الحملات الصليبية وأفاعيل الصليبين عند احتلالهم بيت المقدس، والخدمات التي قدمت لهم على السواحل الإسلامية، وهم في الطريق إليها، حتى تمكنهم من رقاب المسلمين.. فهل يُعاد التاريخ نفسه اليوم، ذلك أن اختلاف التسميات في كثير من الأحيان لا يغير شيئاً من حقيقة المسمى..

أما الورقة الثالثة فكانت عن الغزو المغولي التتري المدمر ـ أو بعضاً من أخباره ـ الذي جاء ليقضي على البقية الباقية من حراك الجسم الإسلامي والفكر الإسلامي، فماذا كانت النتيجة؟

القرامطة في مكة المكرمة

.. حج بالناس في هذه السنة (317هـ ) منصور الديلمي، وساربهم من بغداد إلى مكة، فسلموا في الطريق، فوافاهم أبو طاهر القرمطي بمكة يوم التروية، فنهب أموالهم واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها، وفي المسجد الحرام، وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقـًا كثيراً، وجلس أميرهم أبو طاهر، لعنه الله، على باب الكعبة، والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في الشهر الحرام يوم التروية، الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول:

(أنا الله وبالله، أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا .. )

فكان الناس يفرون منهم، فيتعلقون بأستار الكبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئاً، بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف، فلما قضى طوافه أخذته السيوف..

فلما قضى القرمطي، لعنه الله ، أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن منهم في أماكن من الحرم وفي المسجد الحرام.. لم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم لأنهم محرمون.. وهدم قبة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، وشقها بين أصحابه، وأمر رجلاً أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه فسقط على أم رأسه فمات إلى النار.. ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود، فجاء رجل فضربه بمثقل في يده، وقال: أين الأبابيل، أين الحجارة من سجيل، وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة..

وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنيع أنهم كفار زنادقة، وقد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا في هذه السنة ببلاد أفريقية من أرض المغرب، ويلقب أميرهم بالمهدي، وهو أبو محمد عبيد الله بن ميمون القداح، وقد كان صباغاً بسلمية، وكان يهودياً فادعى أنه أسلم ثم سافر من سليمة فدخل بلاد افريقية، فادعى أنه شريف فاطمي.. وكان القرامطة يراسلونه ويدعون إليه ويترامون عليه..

الحافظ ابن كثير ـ البداية ـ (11 /160/ ـ 161).

فماذا كانت النتيجة ؟ لقد احترقت الورقة القرمطية وعاد المسلمون إلى الاعتزاز بإسلامهم، وكانت المشروعية العليا في حياتهم للكتاب والسنة، واعتبر فترات الخروج والرفض من الفترات المرضية التي مرت بها الأمة، وليس من المستغرب ـ ونحن نعاني ما نعاني ـ ضهور القرامطة الجدد الذين يمارسون التشوية والعدوان على تاريخ الأمة، وتُدرس الحركة القرمطية في بعض جامعات العالم الإسلامي على أنها ثورة تقدمية رائدة؟!

الصليبيون في بيت المقدس

(وملكوها ضحوة نهار يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان (492هـ) وركب الناس السيف، ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين، وقتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم.. وأخذوا من عند الصخرة نيفاً وأربعين قنديلاً من الفضة، واخذوا تنوراً من فضة، وأخذوا من القناديل الصغار مائة وخمسين قنديلاً، ومن الذهب نيفاً وعشرين قنديلاً، وغنموا ما لا يقع عليه الاحصاء )

(الكامل:10/283 وما بعدها ) لا بن الاثير، والبداية والنهاية (12/156 وما بعدها ) لابن كثير.

(استباح الفرنجة بيت المقدس، وأقاموا في المدينة أسبوعاً ينهبون ويدمرون، وأحصي القتلى بالمساجد فقط من الأئمة والعلماء والعباد والزهاد المجاورين فكانوا سبعين ألفاً أو يزيدون.. )

العبر (5/184 ) لابن خلدون .

_كان قومنا يجوبون، كاللبوات التي خطفت صغارها، الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل، فكانوا يذبحون الأولاد والشبان والشيوخ ويقطعونهم إرباً إرباً، وكانوا لا يستبقون إنسانـًا، وكانوا يشنقون اناساً كثيرين بحبل واحدة بغية السرعة.. وكان قومنا يقبضون على كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعاً ذهبية، وكانت الدماء كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث.. ثم أحضر بوهيموند جميع الذين اعتقلهم في برج القصر، فأمر بضرب رقاب عجائزهم وشيوخهم وضعافهم، وبسوق فتياتهم وكهولهم إلى أنطاكية ليباعوا فيها..

لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، فكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهنالك، وكانت الأيدي والأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها، فإذا ما اتصلت ذراع بجسم لم يعرف اصلها، وكان الجنود الذين أحدثوا تلك الملحمة لا يطيقون رائحة البخار المنبعثة من ذلك إلا بمشقة..

وأراد الصليبيون أن يستريحوا من عناء تذبيح أهالي القدس قاطبة، فانهمكوا في كل ما يستقذره الإنسان من ضروب السكر والعربدة ..

غوستاف لوبون ( حضارة العرب: 400 وما بعدها )

( حدثت ببيت المقدس مذبحة رهيبة، وكان دم المقهورين يجري في الشوارع، حتى لقد كان الفرسان يصيبهم رشاش الدم وهم راكبون، وعندما أرخى الليل سدوله جاء الصليبيون وهم يبكون من شدة الفرح، وخاضوا الدماء التي كانت تسيل كالخمور في معصرة العنب، واتجهوا إلى الناووس، ورفعوا أيديهم المضرجة بالدماء لله شكراً.. )

Wells: A Short of the Middle East O: 74

(وتحركت جموع الصليبين بعد إنطاكية تجاه بيت المقدس، وفي الطريق اتصل الصليبيون بالموارنة، وهم قوم أشداء، ومقاتلون بواسل، فأسدى إليهم خدمات جليلة لمعرفتهم تلك المنطقة، فكانوا الأولاد لهم .. )

Willism of Tyrd Vol : 2p:429

وموسوعة التاريخ الإسلامي للدكتور أحمد شلبي (5/593 وما بعدها ) وحتى إذا أطلن طلائع الصليبيين أمكن الموارنة أن يمدوهم بثلاثين ألف نبال، أجمع الفرنجة على الإعجاب لشجاعتهم ومهارتهم.. فالمارونية بنت لبنان، ولبنان في الكثير من مزاياه وخصائصه صنع المارونية.. فلا وطن لها سواه، ولا كيان بدونها..

فؤاد أفرام البستاني في محاضرته عن مار مارون ( التبشير والاستعمار: 28 ) .

هولاكو في بغداد

(ووصل بغداد ـ هولاكو خان ـ بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة، ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فاحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية، وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وهم بقية الجيش، كلهم قد صرفوا، وذلك كله عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي.. لهذا كان أول من برز إلى التتار هو، فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه، فاجتمع بالسلطان هولاكو خان لعنه الله، ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه بين يديه لتقع المصالحة، فخرج الخليفة في سبعمائة راكب من القضاء والفقهاء ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان..

واحضر الخليفة بين يدي هولاكو، فسأله عن أشياء كثيرة، فيقال: إنه اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت، ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته المولى نصير الطوسي والوزير ابن العلقمي، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة.. وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة.. وحسنوا له قتل الخليفة، فلما عاد الخليفة إلى هولاكو أمر بقتله، ويقال: إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي، والمولى نصير الطوسي، وكان الطوسي عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت، ليكون في خدمته كالوزير المشير.. وقتل الخليفة، فباؤوا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء..

ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان.. وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم، فيهربون إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسلحة حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة.. وكذلك في المساجد والجوامع والربط ولم ينج أحد منهم سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي.. وعادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم خوف وجوع وذلة وقلة.. وقد اختلفت الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة، فقيل: ثمانمائة ألف، وقيل: ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل: بلغت القتلى ألفي ألف نفس .. فإنا لله وإنا إليه راجعون ) .

ابن كثير، البداية والنهاية (13/200 ما بعدها ) .

(استولى المغول على بغداد سنة (656هـ) (1258م) فخربوها، وخنقوا الخليفة العباسي الأخير المستعصم بالله، ونهبوا ما في بغداد من الأموال، وحرقوا كتبها التي جمعها محبو العلمٍ وألقوها إلى دجلة، فتألف منها جسر كان يمكن الناس أن يمروا عليه رجالاً وركبانا ً، وأصبح ماؤه أسود من مدادها، كما روى قطب الدين الحنفي..

ولكن أولئك الوحوش الضاربة الذين أحرقوا النار في المباني وحرقوا الكتب وخرجوا كل شيء نالته أيديهم، خضعوا لسلطان حضارة العرب في نهاية الأمر، حتى إن هولاكو الذي أمر بهدم بغداد وبجر جثة آخر العباسيين تحت أسوارها بهرته عجائب حضارة العرب..

ففي المدرسة العربية تمدن المغول، فاعتنقوا دين العرب وحضارتهم.. وأقاموا في بلاد الهند دولة قوية عربية المناحي، فاحلوا بذلك حضارة العرب محل حضارة الهند القديمة، فترى سلطان حضارة العرب بادياً في الهند حتى اليوم .. ) ( كان للغزو المغولي عنف الإعصار وشدته، فاحرق بغداد، وعلا شعار الصليب على منابر المساجد، فالأخبار التاريخية تروي أن زوجة هولاكو كانت نصرانية، وأن النصرانية كان لها انتشار بين المغول، كما كانت هناك صلات بين المغول والصليبين.. وقد ظهر أثر هذا التحالف عند دخول المغول بغداد، فلم يتعرضوا للنصارى من الهلاك على حد روية ابن الفوطي !! بل بلغ الأمر حداً أكبر من ذلك عندما منح هولاكو بطريرك النساطرة قصراً من قصور الخليفة اتخذه مقراً وكنسية وأغدق العطايا.. ) رانسمان ( الحروب الصليبية: 3/552 ).

وبعد:

هذه الصور المأساوية التي عرضنا لها من خلال الأوراق الثلاث وتركنا أمر الدراسة والاستنتاج والتعرف على الجذور التاريخية للقضايا التي نعاني منها اليوم للأخ القارىء دون مداخلة منا تذكر، نقول: هل استطاعت هذه المحن تدمير الأمة المسلمة وإنهاءها إلى غير رجعة ، أم أن الأمة استطاعت أن تتجاوز المحن وتجدد شبابها في كل مرحلة ؟!

ونحن على يقين بأن الله سوف يهيىء لدينه من يحمله ويدافع عنه، وأن أسلحة الغزو الفكري والاجتياح العسكري سوف تسقط في يد أصحابها، فقد عجز الغزو الفكري، كما فشل الغزو العسكري تاريخياً، في تحطيم أفكار الأمة المسلمة وإلغاء شخصيتها الحضارية..

وكان القرآن الكريم هو القوة الفاعلة، والحصن الثقافي الذي حفظ الأمة من الذوبان، والقوة التي تعين على الثبات والمقاومة في حالات الغلبة والاضطهاد.

أجداد وأحفاد

لقد ارتكب يهود من الفظائع على مسلمي لبنان ما يعز عن الوصف، ولم نحسن نحن تجاههم بواجب الأخوة، بل كنا دون سوية الموقف الإنساني، واكتفينا من الواجب بمهمة المراسل الحربي الذي تخضع تقاريره للرقابة أيضاً !! حتى إن الكثيرين منا، الذين تعودوا الأكل بالقضية، لا يزالون إلى الآن يحاولون الصعود على جثث أصحابه!!

إن عملية تهميش القضية الفلسطينية خطط بذكاء ودهاء، ونفذ على مراحل، فمن قضية فلسطين، إلى مشكلة لاجئين إلى قضية الشرق الأوسط ، إلى أمن إسرائيل.. وهكذا تتضاءل وتهمش القضية شيئاً فشيئاً حتى تصبح قضية بيروت الغربية وإخراج الفلسطينيين حفاظاً على أرواح الناس، أما دخول اليهود وقتلهم الناس بالجملة واستباحتهم لكل شيء فلا علاقة له بالأرواح ؟!

إن أمر المزايدات في السوق السياسية والعقائدية ليس جديداً على أمتنا فعبد الله بن أبي بن سلول، زعيم النفاق والمنافقين، كان يصلي في الصف الأول، وهو الذي تولى كبر الإفك، كما هو معلوم، فإذا وجد ابن أبي في عصر النبوة حيث الوحي يفضح المنافقين وأساليبهم، ويكشف للرسول صلى الله عليه وسلم أسماؤهم فإن في تاريخ القضية الفلسطينية وتاريخنا الحديث من أحفاد ابن سلول ما لا يمكن حصرهم..

ومع ذلك، فنحن على يقين بأن الشدائد والمحن تصنع الرجال، وتبصر الأمة بأعدائها الحقيقيين، وأن اشتداد التحدي يصقل الرجال، ويقيم الحضارات، ويقضي على الخلايا الشائخة في الأمة وينهي دور الرخو.. وأن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ولد في ظل الاحتلال الصليبي الجاثم بكلكله على البلاد منذ زمن، وهو الذي كان استنقاذ القدس على يديه.. وأن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام تربى في قصر فرعون، وكتب الله على يديه تدمير القصر وإنهاء الظلم فيه، قال تعالى: ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزناً ) (القصص: 8) وأن في تاريخنا من المحن والبلايا ما يكفي للدلالة على قدرة هذه الأمة على تجاوز المحن والشدائد..

فهل نعي الدروس ونستفيد من العبر، فالعاقل من يعتبر بغيره والأحمق من يكون عبرة لغيره.
walid95
موضوع جميل جداا شكرا جزيلا لك في انتظار جديدك القادم
مواضيع مماثلة

سجل دخولك أو أنشئ حسابا لترك رد

تحتاج إلى أن تكون عضوا من أجل ترك الرد.

انشئ حسابا

الانضمام إلى مجتمعنا من خلال إنشاء حساب جديد. من السهل


أنشئ حسابا جديد

تسجل دخول

هل لديك حساب بالفعل؟ لا توجد مشكلة، قم بتسجيل الدخول هنا.


تسجيل دخول