المواضيع الأخيرة
طريقة بيع الاسهم
من طرف salma3li أمس في 4:19 am

فتح محفظة أسهم
من طرف salma3li الأربعاء مايو 15, 2024 4:06 am

طرح أسهم حقوق أولوية الباحة لزيادة رأس المال
من طرف salma3li الأربعاء مايو 08, 2024 11:51 pm

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر

لا أحد

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 111 بتاريخ الخميس يناير 02, 2020 11:11 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 213 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو عبدالرحيم فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 2912 مساهمة في هذا المنتدى في 1859 موضوع

لونك المفضل


الملتقى العلمي للطلاب الجزائريين :: الأرشيف الاجتماعي :: Old4you :: الأرشيف العام :: قسم الفقه وأصوله

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي » ألا هل بلغت اللهم أشهد

Admin
(.. فليبلغ الشاهد الغائب .. فرب مبلغ أوعى من سامع ) [حديث شريف ]
لا شك أن العبادات، بما فيها الحج، هي أشبه ما تكون بمحطات يتزود فيها المسلم بطاقات تضمن له ديمومة تغلب دوافع الخير على نوازع الشر، وهي وسائل لتحقيق الخضوع والعبودية لله تعالى، وبناء المسلم ذي السلوك المتميز الذي ينتقل بالعبادة من موقع يعاني الضعف والهبوط البشري إلى موقع صاعد في مجال السمو والارتقاء، فهو بعد العبادة إنسان آخر، وإذا لم يتحصل ذلك فالعبادة لم تتحقق غايتها ولم تؤت ثمرتها، ولم يحسن الإنسان الانتفاع بها، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليس له منها إلا القيام والقعود؛ ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه؛ ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امراة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.. و(والحجُّ أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فُسوقَ ولا جدال في الحج.. ) (البقرة:197)؛

ولا شك أن لكل عبادة من العبادات مدلوها وأثرها في بناء الفرد المسلم وصناعة سلوكه وإلا لاكتفي بعبادة واحدة، ولاكتفي من العبادة الواحدة بنسك واحد، فالصلاة وقوف بين يدي الله، واستشعار للمراقبة والمسؤولية في زحمة الممارسات اليومية، وما يمكن أن يكون من الغفلة والجنوح.. والزكاة وقاية من نزعة الشح التي تتلبس نفوس الأغنياء فتحملهم على الاستغناء وكفران النعمة، وتنتهي إلى الصراع الاجتماعي وإنهاك المجتمع، وانعدام التكافل الإجتماعي.. والحج معايشة لقضية التوحيد، وترسم خطا النبوة، وحياة في مهبط الوحي، ولو مرة في العمر، ونقل للتاريخ من الوراء، من الماضي، إلى الأمام ليصبح الحاضر المشاهد، وتكون الممارسة العملية.

وكثيرون في عالمنا الآن الذين يحاولون ممارسة المعاناة نفسها التي عاشها الزعماء والمصلحون الذين استطاعوا تحقيق النقلة، وتغيير المجتمعات، وإعادة صيانة الإنسان.. ونسمع كثيراً عن الذين يحاولون استعادة التاريخ، وخاصة منعطفاته الكبرى، فيصمم بعض الأوروبيين على السير في طريق الحملات الصليبية وبالوسائل نفسها، وتتبع درب المسيح، وتقمص الشخصيات التاريخية..

مسلم عصر التخلف

فالحج بالنسبة للمسلم فريضة العمر، وهو الحياة على أرض النبوة نفسها، وإقامة المناسك نفسها أيضاً، والذي لا بد من الاعتراف به أن العبادات في عصور التخلف والوهن تنقلب إلى عادات ذات رسوم وأشكال تحكمها الآلية والتكرار وتنعدم فاعليتها لتصبح خالية من أي معنى، حتى إن بعضهم صار يتساءل عن جدواها لأنه لا يشعر بأي تبدل في موقعة قبل أدائها وبعده، أو في مواقع كثير من الذين يؤدونها..

كما أن القيم في عصور التخلف والوهن أيضاً تنقلب إلى شعارات تعلو بها الأصوات، وتسقط معها الهمم، وتخبو قدرات التغيير، ويظن معها أن حل المشكلات يستدعي مزيداً من الصراخ والعويل والاحتجاج، فيتوقف الفعل ويعم الانفعال، وتحصل حالة من فقدان التوازن الديني فيستغرق الناس في صور من العبادات تشكل لهم مهارب نفسية هي أقرب إلى البدع والخرافات منها إلى الدين بصفائه ونقائه وعطائه وفاعليته.

وقد تزداد الأمور سوءاً، فيمارس مسلم عصر التخلف فصل الحياة عن الدين عملياً، ولو لم يعترف بذلك، فإما أن يهرب من الحياة إلى لون من العبادة والذكر يظنها البداية والنهاية، وتتضخم عنده بعض التصورات فلا يرى سواها، وَيُقوِّم سلوك الناس على ضوئها، وإما أن يمارس الحياة ممارسة عادية كسائر الناس الذين لا صلة لهم بالإسلام، ويعقد عن سائر واجباته، ولا يختلف في معاملاته عن غيره، ويظن أنه يكفر عن ذلك بصيام نفل، أو بتكرار حج،أو بمتابعة تلاوة أو حلقة ذكر، يتساهل بحماية الثغر الذي أقامه الله عليه، وقد يدع إتفاق العمل وممارسة التفوق في الاختصاص، وأداء حقوق الناس إلى صور من التدين يختارها هو ..

إنه الاطمئنان الخادع، والتدين المغشوش، وعدم الاستشعار بالمسؤولية، وفقدان التوازن الديني، إن صح التعيبر، وغياب التوتر الإيماني والقلق السوي الذي يصوب المسار ، وتبدأ عملية تفسير النصوص الإسلامية والتعامل معها من خلال هذه المواقع المتخلفة؛ ويمتلك الإنسان العجب، ألسنا نصلي كما كان الصحابة يصلون، ونصوم كما يصومون ونحج كما يحجون؟! أليس هذا هو القرآن الذي نزل على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصنع منهم ما صنع ؟!

إن القرآن هو القرآن، لكن الفهم غير الفهم، والاستجابة غير الاستجابة ، والتلقي غير ذاك التلقي.. إن العلل الفكرية وإصابة عالم الأفكار لا تغني عنه بعض صور العبادة بما في ذلك تكرار الحج، إذا لم يترافق ذلك مع عمليات الاختبار لصحة الموقع وتصويت المسار، إنه الخلط بين حقوق الله التي تكفر بالتوبة والعبادة وحقول الناس التي لا بد من أدائها .. وقد تكون قضية الانفلات من عصر التخلف، وطي مرحلة التخلف، وإلغاء مفهوم عصر التخلف، والتلقي المباشر عن القيم الأصلية، عمليةً صعبةً على إنسان هذا العصر، لكنه الأمر الذي لا بد منه عاجلاً أم آجلاً..

إن الآيات البينات في رحلة، وأداء مناسكه كثيرة، وكثيرة جداً، ولا بد للمسلمين من وعيها وإدراكها، وإن كان جهل بعض مسلمي اليوم الذين يتعلمون أحكام الحج وينسون آدابه ـ حتى يقع بعضهم في رتكاب المحرم لاستدراك مندوب أو مستحب ـ لا يعطي الفرصة لإبصارها واستشعارها في كثير من الأحيان .

ولعل من أهم معالم رحلة الحج إلى جانب أداء المناسك العبادية، تلك المعاني الجامعة التي خاطب بها الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في حجة الوداع، فطلب إليهم أن يبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع.. أفلا يحق لنا بهذه المناسبة أن نقوم بواجب عملية البلاغ التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم مسؤولية كل مسلم بقدر وسعه، فنذكر المسلمين حجاجاً وغير حجاج بهذه الأمور.. ذلك أن الحج كان موسمها، وكان الوعاء لكثير من المعاني وكثير من الأعمال التي شكلت منعطفات في تاريخ البشرية..

معالم الحياة الإسلامية

في السنة التاسعة للهجرة، حج الرسول صلى الله عليه وسلم، وحج معه خلق كثير، وكانت حجة الوداع التي نزل فيها قوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتتمتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ً) ( المائدة:3)، وكان الكمال والاكتمال، وبعد اكتمال البناء فإن المعاني التي ذكر بها وعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة غاية من الأهمية، فهي المعالم الرئيسة للحياة الإسلامية التي لا بد من حراستها والتنبه لها حتى لا يتآكل المجتمع من الداخل، والنص الذي ورد في كتب السيرة لخطبة الوداع لا يخرج بمجموعة عما يلي:

(.. إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.. إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، فإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وأول رباً أضع رباناً، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهم بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضر بوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما ان لا تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله؛ وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك بلَّغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس ، ويقول اللهم أشهد ، ثلاث مرات .. )

(إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، وقال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة ؟ فقلنا: بلى. قال: أي بلد هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال أليس البلد الحرام؟ قلنا: بلى : قال: فأي يوم هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه. قال أليس يوم النحر ؟ قلنا: بلى قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا؛ وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض؛ ألا هل بلَّغت ؟ قالوا: نعم قال: اللهم أشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلَّغ أوعى من سامع.. )

(وأعلموا أن الصدور لا تغل على ثلاث : إخلاص العمل لله، ومناصحة أهل الأمر، ولزوم المسلمين جماعة المسلمين، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع.. قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله )

إن مجموع القضايا التي عرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة، في حجة الوداع، تشكل المرتكزات الأسياسية يقوم عليها المجتمع الإسلامي، والتي لا بد من حراستها وعدم السماح بخرقها والخروج عليها من الحاكم والمحكوم، والأمر الذي لا يحتاج إلى أن هذه المرتكزات هي التي انتهى إليها المجتمع المسلم وتربى فلا يجوز التفريط فيها.. وتأتي أهميتها في أنها ( خطبة المودع ) الذي حمل الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، ورعى مسيرتها ثلاثة وعشرين عاماً..

لقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المعاني من خلال مسيرة النبوة الطويلة ليؤكد عليها، وينبه لها دون سواها، فلماذا هذه المعاني دون غيرها؟ ذلك لأن عدم التزامها يؤدي إلى دمار المجتمع، ولا يعوزنا الدليل ـ نحن المسلمين ـ في القرن الخامس عشر الهجري نرى السقوط بأم أعيننا ..

الأمن النفسي والاقتصادي

(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.. لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .. )، لقد أجمع العلماء أن مقاصد الشريعة هي: تحقيق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، ولا يتحقق ذلك إلا بحماية الكليات الخمس ، التي لا تستقيم الحياة ولا تتحصل السعادة إلا بتوفرها وحمايتها، وهي : العقل والنفس والدين والعرض والماء.

ولسنا بحاجة هنا إلى التذكير والتدليل بأن الدماء المسلمة التي تسيل يومياً كالأنهار، في أكثر من بلد ، وأكثر من موقع على يد المسلمين أنفسهم، مهما كانت الشعارات، وكيفما كانت المسوغات، قضية لا تخدم إلا أعداء الإسلام في نهاية المطاف (.. لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض.. ) إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار).

إن إراقة دم المسلم أكبر عند الله من هدم بيته الحرام ومن كل شيء في الدنيا ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرىء مسلم ) فكيف ستكون مسؤولية الذين يتاجرون بدماء المسلمين ويأكلون بها ويقبضون ثمنها، ويبثون ثراءهم على جماجم المسلمين ؟! وكيف سيكون حسابهم عند الله ؟! .

وليست قضية الأمن الاقتصادي أقل أهمية من الأمن النفسي في المجتمع الإسلامي.. ( إن ربا الجاهلية موضوع.. )

إن العالم الإسلامي ثلاثة عشر قرناً تقريباً، بعيداً اقتصادياً عن لوثة الربا، وقادراً على مواجهة مشكلاته المالية وحلّها، وأصبح الربا سمة المعاملات المالية، فأفقدنا ذلك الأمن الاقتصادي بعد أن افقتقدنا الأمن النفسي..

أمر الجاهلية

(.. إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي.. ) (إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعاظمها بالأباء.. )

إن الجاهلية ارتكاس وهبوط ورجعية، إنها رفض الخضوع لحكم الله عزوجل، وسقوط في الطاغوت بكل أشكاله، قال تعالى: ( أفحُكْم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حُكماً لقوم يُوقنون ) ( المائدة:50) إن أمر الجاهلية وظهور النزاعات الإقليمية الذي بدأ ولا يزال مستمراً، هو الذي مزَّق الأمة وأنهك قواها، إن الحدود التي وضعها المستعمر، وفرق عندها وحدة المسلمين، يستميت بعضنا في الدفاع عنها، وإن النزاعات الجاهلية التي نبش قبورها المستعمر. نحال أن نهب لها الحياة ونمحها الاستمرار!!. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( دعوتها فإنها منتنة.. ) وبعضها يصر على الاستمساك بها !!

إن التراجع الإسلامي عودة إلى الجاهلية، وإن الجاهلية جاهزة للانقضاض في كل لحظة ضعف إسلامية، إنها حاولت الانقضاض في غزوة بني المصطلق، والرسول صلى الله عليه وسلم يرعى المسيرة (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ وأطلت القيسية واليمنية برأسها على الصورة الإسلامية بشكل مبكر، ومبكر جداً، والخطورة كل الخطورة الآن أن نفضل الأثواب الإسلامية لنلبسها لأمور الجاهلية الحديثة، فنمارس الجاهلية تحت عناوين وشعارات إسلامية!!

إن مساحة الجاهلية في حياة اإنسان المسلم تتسع وتضيق بقدر ما يوفقه الله للرؤية الإسلامية والانضباط بها، وإن سقوط الإنسان في بعض أمور الجاهلية لا يعني أن نسلب عنه إسلامية، كما يحلو لبعضهم، من الذين يمارسون إشاعة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذرّ عندما عير بلالاً بأُمه: _ إنك امرؤ فيك جاهلية ) إن سلوك التعيير هذا ينتسب إلى الجاهلية، ولا يعني بحال من الأحوال سلب أبي ذر رضي الله عنه فضله وإسلامه وجهاده.. فهل يكون موسو الحج ونداء حجة الوداع فرصة لمطاردة الجاهلية في نفوسنا، وتخليص مجتمعنا الإسلامي من بعض مفهوماتها وأمورها بالحكمة والموعظة الحسنة ؟! ذلك أن فقدان الحكمة في الموضوع قد يؤدي إلى تكريسها واستغلالها.

النقل الثقافي

(.. فليبلغ الشاهد الغائب.. فرب مبلغ أوعى من سامع.. ) إنها مشؤولية البلاغ المبين التي لا تخرج هنا عن مسؤولية التحمل ومن ثم مسؤولية الأداء، لقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم غاية مهمته: البلاغ، فقال: ( ألا هل بلّغت ؟ اللهم أشهد ) وبذلك يكون الرسول شهيداً على المسلمين، ويكون المسلمون شهداء على الناس، يوصلون إليهم هذا الدين، ويطورون وسائلهم في نقل حقائقه لإنقاذ الناس من الجاهلية..

وهنا قضية تلفت النظر ( رب مبلغ أوعى من سامع ) فعملية الحفظ وسلامة النقل لا تعني بالضرورة: القدرة على الفهم والوعي والإدراك لمدلولات الخطاب، فليست القضية قضية حفظ فقط، قد يكون صاحبها نسخة من كتاب ، وإنما القضية الفقه والوعي والدراية، وهي على غاية من الأهمية لعالم المسلمين اليوم، ذلك أن بعض الناس اليوم كالأرض اليوم التي

تمسك الماء لكنها لا تنبت الكلأ.. إن مسؤولية وأمانة النقل الثقافي ( عملية البلاغ المبين ) ومسؤولية الوعي والقدرة على فهم السنن وإمكانية التعامل معها هي مشكلة المسلمين الثقافية اليوم .. فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع ..

إنها المعاني التي شهدها الصحابة الحجاج في مكة في العام التاسع للهجرة ، وحُمِّلوا مسؤولية نقلها إلى العالم ليكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول شهيداً عليهم، إنها المسؤولية المحددة والمهمة الدائمة للمسلم في مجال عالم الأفكار والوعي الثقافي، المسؤولية المحدددة تقابلها الحيدة المهلكة المدمرة لبعض مسلمي اليوم في القعود عن مهمة البلاغ المبين وامتشاق وسائل أخرى والسير في طرق وعرة شائكة ..

شاهد إدانة

(.. إن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا العبًّاس بن عبد المطلب، إن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث.. )

لقد جاء الإسلام بأنموذج للحكم والحاكم متفرد، في الوقت الذي كان الحكام فيه يمثلون ظل الله على الأرض !! وكانوا يُعبدون من دون الله، حيث كان تأليه الحاكم من المسلّمات..

إن الشخصية الحضارية الإسلامية لها مقومات في مجال الحكم ومواصفات في اختيار الحاكم وصفاته، ولها تاريخ مشهود في التطبيق والممارسة، وسف تبقى هذه الشخصية التاريخية شاهد إدانة على الممارسات القمعية والاستعلاء بالسلطان التي يعاني منها عالم اليوم، إنه المقياس الذي ينتظم تاحاكم قبل المحكوم (.. إن أول ربا أبدأ بوضعه ربا عمي العباس.. وإن أول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث.. ) إنها السماء التي لا بد للبشر من وضعها موضع التنفيذ والالتزام، يتعاون على إنفاذها الحاكم والمحكوم، إن إنسان الإسلام الذي يرى في تاريخه هذه التماذج يصعب عليه أن يرضى بما دونها وسف يبذل جهده لاستردادها والعمل لها..

تقوى الله في النساء

(.. اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله .. ) مما لا شك فيه أن قضية المرأة، وموقع المرأة في الحياة الإسلامية، وخاصة في عهود التخلف، تحكم فيها أكثر من عامل، واختلطت فيها المفاهيم، والتبست العادات السائدة في بعض المجتمعات الإسلامية، بالأحكام الشرعية حتى لنكاد نقول: إن كثيراً من العادات قد ألبست الثواب الإسلامي واعتبرت من الدين، أو اعتبرت دينها لدرجة غابت معها الصورة العملية للمرأة المسلمة، وعلى الرغم من العنوان الإسلامي لكثير من الأسرار أن الثقافة الجاهلية تضغط على تصرفاتنا تجاه المرأة بين التسييب المطلق والتشديد الذي يفقدها إنسانيتها ، الأمر الذي ينأى عنه دين الله عزوجل ويأباه شرعه .

ولاشك أيضاً أننا أوتينا من قبل المرأة، وغزينا من طريق الأسرة، وأقمنا المعارك لحماية حدودها والحيلولة دون اقتحامها، لكننا عدنا إلى الأسرة المسلمة فلم نجدها، لم نجد المرأة المسلمة فعلاً، والطفل والتربية الإسلامية والممارسة الإسلامية.

وكثير من تأبى عليه نفسه وثقافته أن يعطي المرأة المسلمة دورها في الحياة الذي مرسته زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من التعليم والرواية والمبايعة والمشاركة في الجهاد ومعرفة الحياة، وإلا فكيف يمكن لها أن تقوم بدورها وتؤدي رسالتها، وتعد أطفالها لعصر لا تدرك طبيعة ولا تعرف مشكلاته، ولا تشارك في قضاياه ؟! وهناك حقيقة تغيب عن بالنا في ظل التقاليد والعادات التي أصبحت من الدين، وهي أن الأكرام في الإسلام: الأتقى؛ فليس الأكرم: الذكر ، وليس الأكرم :الأنثى، وإنما الأكرم: الأتقى؛ وإن خطاب التكيف جاء للرجل وللمرأة على حد سواء، وإن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق الإنسانية العامة ليست محل نظر وبعدها يبقى لكل اختصاصه في مجال الحياة، وبالتالي لا يمكن المقايسة وطرح قضية المساواة بين اختصاصين متباينين، فالمرأة في اختصاصها أفضل من الرجل في اختصاصها ومقدمة عليه، والرجل في اختصاصه أفضل من المرأة في اختصاصه ومقدم عليها، أما في مجال الحقوق الإنسانية فهم سواء، ولكل جزاؤه: (من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينهُ حياةً طيبةً.. ) ( النحل: 97) والقوامة التي شرعها الله ( الرجال قوامون على النساء.. ) إنما هي للإشراف والإدارة في البنية الاجتماعية الأولى التي لا يمكن أن تترك تأكلها الفوضى، وليست للتشريف والتعالي، فلا بد من تفكيك الصورة الموروثة واخبارها وتنقيتها مما لحق بها لنرى صورة المرأة المسلمة خالية من كل غبش ، ونستجيب لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:

(.. اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله .. )

الاعتصام بالكتاب

(.. قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله .. )

لا حاجة إلى القول: إن القرآن الكريم كتاب الله، وإن الذي خلق الإنسان أعلم بما يحقق سعادته ويحميه من الضياع والضنك ، إنها القيم الثابتة البعيدة عن وضع البشر وتحكم الأهواء وتحقيق السيطرة والاستغلال، وتحقيق مصلحة لطبقة أو طائفة أو فرد.. ذلك أن معظم الشر في العالم مردّه تسلط الإنسان على الإنسان ولا بد لإيقاف هذا التسلط من أن تستمد القيم من الله الخالق وليس من بعض مخلوقاته.

إن كثيراً من القيم الوضعية في عالمنا المعاصر أشبه بدمى الأطفال، يحكمها الناس ويشكلونها على الصورة التي يختارونها، وتبقى محل نزاع وخصام، يفرضها الأقوياء ويتوهمون أنها تحقق مصالحهم، وما أسهل ما يغيرونها ويبدلونها تبعاً لأهوائهم، وتبقى عاجزة عن حكم الناس، ويبقى أصحابها عاجزين عن تحقيق الاحترام لها والالتزام بها من بقية الناس؛ ذلك أن الالتزام بها يبقى طاعة للمخلوق، أم كتاب الله، فهو القيم الثابتة التي تحكم الناس ولا يحكمها الناس، يخف الإنسان للالتزام بها بوازع لا يمكن أن يتحقق لغيرها، فالطاعة لله الخالق العليم المحاسب الذي خائنة الأعين وما تخفى الصدور.. وفي الاعتصام بالكتناب عصمة من الخطأ، وأمن من الضلال، والشاهد التاريخي: إن التزام العرب المسلمين واعتصامهم بالقرآن الكريم كان سبيل وحدتهم وحضارتهم، وإن الحيدة عنه كانت سبب فشلهم وتخلفهم وفرقتهم، والواقع يشهد بذلك أيضاً، والله عز وجل يقول:

( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .. ) ( الأنفال:46) لقد اعتبرت الآيات أن العدول عن طاعة الله ورسوله موقع في النزاع، لتعدد الأهواء والآراء..

وبعد : فإنه نداء خطبة الوداع نوجهه لعالم المسلمين اليوم ليبغ الشاهد منهم الغائب، فلعله يحقق المراجعة المطلوبة، والاستقامة على الطريق، والاستجابة لنداء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ..
walid95
موضوع جميل جداا شكرا جزيلا لك في انتظار جديدك القادم
مواضيع مماثلة

سجل دخولك أو أنشئ حسابا لترك رد

تحتاج إلى أن تكون عضوا من أجل ترك الرد.

انشئ حسابا

الانضمام إلى مجتمعنا من خلال إنشاء حساب جديد. من السهل


أنشئ حسابا جديد

تسجل دخول

هل لديك حساب بالفعل؟ لا توجد مشكلة، قم بتسجيل الدخول هنا.


تسجيل دخول